اختتام فعاليات ملتقى المعتمد الدولي للشعر… شعراء من خمس قارات في ضيافة دار الشعر بمراكش
لحظة شعرية بمسيم كوني، احتضنها فضاء بيت المعتمد بن عباد بأغمات، ضمن احتفاء دار الشعر بمراكش بمرور سبع سنوات على تأسيسها. شعراء ينتمون إلى خمس قارات جاؤوا من 26 بلدا ليلتقوا في فضاء الدار، دار الشعر والشعراء، والتي ازدانت بها الأيقونة الكونية مراكش، ذات خريف 2017، ضمن بروتوكول تعاون وتعزيزا للتعاون الثقافي المشترك بين وزارة الثقافة المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، وامتدادا لمبادرة خلاقة لتأسيس بيوت الشعر العربية. هذا الحدث الثقافي والشعري المتفرد، والذي عرف مشاركة 23 شاعرا وشاعرة، ومدراء لمهرجانات شعرية دولية ضمن تنسيق مع العديد من المؤسسات الثقافية المغربية (وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، منتدى المرأة الصحراوية، تنمية وديمقراطية في العيون، مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بأسفي، بيت الصحافة بطنجة)، وضمن تظاهرة “حوار الثقافات لشعراء من خمس قارات”.
التقى شعراء وشاعرات من خمس قارات يمثلون الدول التالية: الأوروغواي، الهندوراس، أزربيدجان، سلوفينيا، بلغاريا، سويسرا، كوسوفو، نيوزيلندا، الدومينيكان، الولايات المتحدة الامريكية، قبرص، ألمانيا، إيران، كوريا، هنغاري، إيطاليا، هولندا، بنغلاديش، الأرجنتين، الصين، نيوزيلندا، اسبانيا، فيتنامٍ، سلطنة عمان، الكويت، والمغرب في “بيت المعتمد” قرب “سكن الملك الضليل” وهو يرقد قرب قصائده في أغمات. وحرصت دار الشعر بمراكش أن تشارك أجيال من الشعر المغربي، ضمن فعاليات الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر، الى جانب لفيف من الشعراء والشاعرات المرموقين على الصعيد العالمي.
وأكد الشاعر عبد الحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش في انطلاق فعاليات هذه التظاهرة، “أن فكرة (ملتقى المعتمد الدولي للشعر)، والذي سبق للدار أن نظمت دورته الأولى السنة الماضية، تأتي في سياق نسج علاقات التعاون الثقافي بين مهرجانات وملتقيات شعرية عربية ودولية، ضمن الحاجة الماسة اليوم الى تمثل قيم الشعر الداعية للمحبة والتعايش وحرصا من دار الشعر بمراكش على استدعاء قيم “المشترك الإنساني”، والذي كان موضوعا لأحد فقرات برامجها الشعرية والثقافية”. وتضمن برنامج التظاهرة تنظيم أماسي شعرية، ومنتدى الملتقى والذي خصص لموضوع “منافي الشاعر وإقامة القصيدة”.
ويأتي تنظيم فعاليات الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر، ضمن تنسيق مشترك مع العديد من المؤسسة الثقافية المغربية، ضمن سياق تظاهرة “حوار الثقافات لشعراء من خمس قارات”، وهي التظاهرة التي حطت الرحال بمدن (العيون وأسفي وطنجة والرباط ومراكش). وشھد فضاء بيت المعتمد، اليوم الأول من الفعاليات، تنظيم الجلسة الشعرية الأولى والموسومة ب “الشاعر ومترجمه”، والتقى الشعراء بمختلف ألسنهم وثقافاتهم ومرجعياتهم في “الدار” دار الشعر والشعراء بمراكش. وقدمت قراءات شعرية للشعراء: أنابيل فيلار (الأوروغواي)، نيغار أريف (أزدريبجان)، بيتر أندريج (سلوفينيا)، بيتر تشوهوف (بلغاريا)، إيرين سانتوس (جمهورية الدومينيك)، ساره احسان (ألمانيا/ إيران)، تانيا كو هونغ (كوريا)، مورجا اندريج (سلوفينيا) لورا كارافاجليا (إيطاليا)، توماس موهلمان (هولندا)، كيو بيش هو (فيتنام)، طالب المعمري (سلطنة عمان)، رشيد منسوم، اسماعيل ايت ايدار (المغرب).
فيما تواصلت الفعاليات، اليوم الثاني الأحد 28 أبريل، إذ احتضن فضاء بيت المعتمد باغمات، ھذا الفضاء الذي يديره الفنان فوزي البصري وكانت الدار سباقة الى تنظيم أمسية شعرية لحظة افتتاحه، منتدى ملتقى المعتمد في دورته الثانية والذي خصص موضوعه ل “منافي الشاعر.. الاقامة في القصيدة”. وعرفت هذه الجلسة العلمية، والتي أشرف على تأطيرھا الناقد الدكتور عبد اللطيف السخيري، تقديم مداخلات لثلة من الشعراء والباحثين ينتمون للقارات الخمس. منتدى “منافي الشاعر، وإقامة القصيدة”، انطلق بعتبة أساسية، إذ “كتبت دي ستايل: “أحيانًا يكون المنفى، بالنسبة لشخصيات مفعمة بالحيوية والإحساس، مُعاناةً أشدَّ قسوةً من الموت”. فمنذ عوليس، مروراً بأوفيد والمعتمد بن عباد وفيكتور هيجو، وصولاً إلى سليم بركات ومحمود درويش… ارتبطت الكتابة الشعرية بالنفي والمنفى.
النفيُ باعتباره انتزاعاً لذات الشاعر من فضاءٍ والتطويح بها خارجهُ، جَسداً و/ أو روحاً. والمنفى بوصفه هذا الفضاء الذي يستضيف الشاعر سواء أكان لغةً، أو موطنا واقعياً، أو مُتخيَّلاً… بهذا الفهم، تتعدد منافي الشاعر، وتتوحَّدُ إقامتُه في الكتابة الشعرية ذاتها، أي في القصيدة حيثُ يراهنُ على تحصين كينونته. من خلال بعض المحاور التي اقترحتها دار الشعر بمراكش على المتدخلين، لامست هذه الندوةُ تتبُّع مسارب الكتابة الشعرية التي يُلاحقُ من خلالها كل شاعرٍ كينونته من منفىً إلى منفىً، من قصيدة إلى أُخرى: شعرية المنفى: الكينونة والاغتراب؛ المنفى واستحالة العودة؛ الكتابة الشعرية: إقامةٌ في القصيدة أم مَنفىً مُضاعَف..”
واختتمت الجلسة الشعرية الثانية، “شعراء بيننا”، فعاليات الدورة الثانية للملتقى، وتناوب على “تقاسم” لحظة الشعر الشعراء والشاعرات: خوليو بافانيتي (الأوروغواي)، بيسنيك كاماج (سويسرا/ كوسوفو)، توماس موديستو خالان (الدومينيكان/ الولايات المتحدة الامريكية)، ألكسندرا نيكود (سويسرا)، أتيلا سزابو بالوكز (هنغاريا)، حسانان عبد الله (بنغلاديش)، ماريسا روسو (الأرجنتين)، سو زهو (نيوزيلندا/الصين)، ليلي ميشليديس (قبرص)، عبد الغني فنان وخديجة السعدي (المغرب). وسهر على ترجمة القصائد وقراءتها، المترجم الأستاذ محمد المخاريق والشاعرة والمترجمة إيزة فرطميس.
تبحث الشاعرة الفيتنامية كيو بيش هو عن “أشكال الماء”، إذ “من السهولة أن تسبح في النهر/ من الصعب أن تبحر في المحيط / من/ القسوة أن تتجمد/ عال جدا أن تطير في الغيمة/ عميقا جدا أن تظل في اليابسة…/الماء…/ الحكمة/ عش حياتك كالماء..”. أما الشاعرة الأزدريبدجانية نيغار أريف، والتي شاركت مع 100 شاعر في مسيرة “الحب”، تتساءل “أمي، ماذا أستطيع أن أقول؟ / لا تقلقي، / كل شيء سيكون على ما يرام. / الأمل هناك، / ينسدل الى تخوم المدينة…/ هنا، / على الجبين، / يد الحلم تفحص الحرارة…/ أمي، / ربما نصادف علاجا أفضل/ وكما تقولين دائما:/ العشق هو أفضل بلسم..”
الشاعر خوليو بافانيتي، من الأوروغواي وهو مقيم في إسبانيا، يرى نفسه “كاتبا خجولا يسير بين أبياته” وهو “الظل القديم الذي يجمع كل ظلاله القديمة”، أما الشاعر الدومينيكي توماس موديستو كالان فيرسم الصورة المنجرحة اليوم، حيث يصرخ “مذنبون أننا ولدنا في غزة”: “غزة اليوم هي مقبرة الأشقاء/ من بقايا الحضارة الغربية / فقط موتٌ وشيك أو صحراء تحررنا/ للاعتقاد أنَّه لا يزال بإمكاننا/ تحرير أنفسنا من الهاوية”. الشاعر البلغاري بيتر تشوهوف أهدى بطاقة حب، قصيرة وهي تعتمد التكثيف، حين قال: “أجملُ قصائدي/ لم أكتبْها. / فضّلت عليها / النظرَ إليك..”. تعددت باقي القراءات الشعرية للشعراء، وظل أفق القصائد هو صوت الشاعر وهو يتقصى إنسانية الإنسان.
هي مقاطع من ديوان كبير، تم تقديم قراءات منه في أماسي ملتقى المعتمد الدولي للشعر، في دورته الثانية، والذي تنتظم فعاليات ضمن سعي حثيث من دار الشعر بمراكش الانفتاح على جغرافيات شعرية كونية، ورموز للحركة الشعرية العالمية. هذه الدورة التي انفتحت على تجارب شعرية من جغرافيات كونية، سعيا للانفتاح على منجزها الشعري، وربطا لجسور الحوار والتواشج بين متون نصية إبداعية من مختلف الجنسيات. وهي لحظة استضافة شعرية وحوارية تسعى لمد جسور التواصل بين الشعراء، كما أنها استضافة رمزية لتجارب شعرية تنتمي لجغرافيات متعددة، لكنها جامعها هو القصيدة والأفق الإنساني المشترك.
ملتقى المعتمد الدولي للشعر الى جانب برامج الدار “شاعر ومترجمه” و”شعراء بيننا”، نوافذ دار الشعر بمراكش على شعريات كونية في سفر بين نصوص شعرية وفي تناغم خلاق بين متون الشعر بجميع الألسن. كما تشكل هذه الفقرة لحظة أساسية في برمجة الدار، ضمن انفتاحها على المنجز الشعري المغربي والعربي والكوني.