انتخاب مجلس النواب.. فرصة ديمقراطية لممارسة أدوار السلطة التشريعية
يشكل انتخاب مجلس النواب وسيلة لممارسة حرية اختيار النواب من خلال التصويت، إذ يعد انتخاب المجلس فرصة لتغيير الأغلبية وتحقيق التداول على الحكم، والحكم بطريقة ديمقراطية على تجربة الحكومات المتعاقبة، وممارسة الرقابة الشعبية عليها.
فالدستور ينص على أن مجلس النواب ينتخب على رأس كل خمس سنوات بالاقتراع المباشر، ويكون انتخابه مناسبة لممارسة الأمة لسيادتها بصفة غير مباشرة، من خلال اختيار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.
وتبرز مدى أهمية المشاركة في انتخاب أعضاء مجلس النواب، في كون جلالة الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.
هذا الحزب يقوم بعقد تحالفات مع أحزاب أخرى من أجل تكوين حكومة ذات أغلبية، تتمتع بالاستقرار الذي يسمح لها بالقيام بعملها كجهاز تنفيذي. علما أن للمعارضة داخل مجلس النواب حقوقا مضمونة أيضا بالدستو
وتتجلى أهمية الدور الذي يضطلع به مجلس النواب، من خلال السلطات التي يملكها وهي ممارسة السلطة التشريعية من خلال التصويت على القوانين، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية.
ففي مجال التشريع، يختص مجلس النواب بإصدار القوانين في عدة مجالات، وعلى رأسها الحقوق والحريات الأساسية التي تعتبر أساس كل نظام يقوم على دولة القانون.
وتهم هذه الحقوق والحريات على الخصوص حماية الحق في الحياة، وحق الأفراد في سلامة شخصهم وأقربائهم وحماية ممتلكاتهم، وضمان عدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، والتنصيص على عقوبات في حالة ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، وكذا التنصيص على العقوبات في مجال جرائم الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، فضلا عن التنصيص على العقوبات الخاصة بجرائم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وجريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان
وتهم أيضا حماية الحياة الخاصة وحرمة المنزل وسرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، وحرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، وحرية الفكر والرأي والتعبير، حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني، وحق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، إلى جانب ضمان حرية الصحافة بما فيها منع تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، والحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة؛ تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية.
وتشمل هذه الحقوق أيضا تحديد قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، وضمان الاستفادة منها، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي، وتحديد شروط ممارسة حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، وتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وتنظيم الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، والتنصيص على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
وبالإضافة إلى المجالات المشار إليها، يملك مجلس النواب صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة، في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
كما أن مجلس النواب يمارس السلطة التشريعية في عدة مجالات أخرى تدخل في مجال القانون، من بينها على سبيل المثال نظام الأسرة والحالة المدنية، ومبادئ وقواعد المنظومة الصحية، والتنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم، والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ونظام مصالح وقوات حفظ الأمن، ونظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية، إلى جانب النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية، وكذا النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها
كما يمارس المجلس هذه الاختصاصات في مجالات النظام القانوني لإصدار العملة ونظام البنك المركزي، وعلاقات الشغل، والضمان الاجتماعي، وحوادث الشغل، والأمراض المهنية، ونظام البنوك وشركات التأمين والتعاضديات، ونظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعمير وإعداد التراب، فضلا عن القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، ونظام المياه والغابات والصيد، وتحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني.
على صعيد آخر، يتوفر مجلس النواب على سلطة مراقبة عمل الحكومة، إذ وفي إطار العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يمارس البرلمان بمجلسيه، ومجلس النواب بصفة خاصة، وظيفة الرقابة على عمل الحكومة من خلال بعض الآليات الهامة، تشمل توجيه الأسئلة للحكومة، والتقدم بملتمس الرقابة، وتشكيل لجان لتقصي الحقائق.
ففي إطار توجيه الأسئلة للحكومة، تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان، بما فيه مجلس النواب، وأجوبة الحكومة. ويتعين أن ت دلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.
غير أن تقديم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، كما يجب أن ت قدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة.
ويمكن لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خ مس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم. وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية
وبالإضافة إلى اللجان الدائمة التي يشكلها كل من مجلسي البرلمان، يجوز أن تشكل بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، لجان نيابية لتقصي الحقائق، ي ناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعماله
ولا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية، ما دامت هذه المتابعات جارية، إذ تنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق، سبق تكوينها، فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.
وتتميز لجان تقصي الحقائق بطبيعتها المؤقتة، وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وعند الاقتضاء، بإحالته إلى القضاء من قبل رئيس هذا المجلس. وتخصص، في هذا الصدد، جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق.
وإلى جانب التصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة بمختلف الآليات، يضطلع مجلس النواب أيضا بسلطة تقييم السياسات العمومية، التي تعتبر من أهم الاختصاصات الجديدة التي منحها دستور 2011 لمجلسي البرلمان.
وتبعا لذلك، ينص الدستور على أنه يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب. وت خصص جلسة سنوية من قبل المجلس لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها.
من جهة أخرى، يمكن للجان المعنية في مجلس النواب أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين، وتحت مسؤوليتهم.
وفي هذا الإطار أيضا، يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. ولا يمكن، في هذا الصدد، سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. ومن شأن سحب الثقة أن يؤدي إلى تقديم الحكومة لاستقالة جماعية
إن مختلف هذه الأدوار الجديدة التي يضطلع بها البرلمان، والتي تكتسي طابع الأهمية، يتطلب أساسا التواصل من أجل التعريف بها وتسهيل استيعابها، وفي هذا الشأن، تم إحداث جريدة رسمية للبرلمان يمكن الاطلاع من خلالها على جميع محاضر الجلسات بالتفصيل، مما يمكن من الحكم بكل موضوعية على عمل مجلس النواب.