“الاستعراضيون”
تطالعنا بعض وسائل الإعلام المختلفة، الجديد منها والتقليدي بشكل شبه يومي ببعض الأنشطة أو الأحداث أو الفعاليات، والتي هي شبه عادية، وتظهرها وكأنها «إنجاز» عظيم ببهرجة إعلامية زائفة لحدث متواضع، حيث أصبح الهدف من هذه البهرجة الملمعة خلق أشخاص زائفين، فتظهرهم وكأنهم عباقرة مبدعون. بل أصبحت هذه الوسائل، أبواقا لهم وتقدمهم وكأنهم عباقرة زمانهم وعلماء وفقهاء لا مثيل لهم، أنهم الوحيدون الذين يمتلكون المعرفة، وبدونهم فالعلم والمعلومة ستندثر، حد اعتبار أنفسهم أوصياء على بعض الميادين العلمية والفقهية والاقتصادية للمغاربة، يتكلمون وكأنه ملك مُحفْظ لديهم. بينما يبقى أصحاب الكفاءة بعيدين عن هذا كله، يتفرجون، يبتسمون ويتهكمون على هذه المهازل. هذا يجعلنا نتساءل دائما: هل أصبح القيام بأي نشاط أو عمل إنجازا تقام له كل هذه البهرجة الإعلامية الزائفة؟ ولو أننا تمعّنا في هذه الأنشطة لوجدنا أنها عديمة الفائدة وبدون مردود يذكر خاصة مع تكرارها! بل إنها أبرزت المتسلقين الذين صاروا يتكلمون في كل شيئ بدءا بالفقه والسياسة والاقتصاد والتحول الرقمي إلى الذكاء الصناعي، ووضعتهم في إطار يختلف عن واقعهم وطبيعتهم . ولكن سرعان ما ستسقط أقنعتهم لأن ما يقومون به ما هو إلا شيء مبتذل وما هذه الشهرة التي حصلوا عليها إلا ظرفية لمواضيع مؤقتة.
انتبهوا معي وتذكروا كم من الندوات واللقاءات تمت باسم مصطلحات مستوردة ليظهر معها “الاستعراضيون والاستعراضيات”مثل: التعايش،التساكن، الديموقراطية والديموقراطية التشاركية،المركزية واللا تمركز، الجهوية المتقدمة والموسعة، مقاربة النوع، البرنامج التنموي، المبادرة الوطنية، الديبلوماسية الموازية، الرقمنة، الطاقات المتجددة، مدونة الأسرة، الاحتباس الحراري، المخطط الأخضر والأزرق، البرنامج الاستعجالي، والآن نعيش فورة الأمن السيبيراني و الذكاء الاصطناعي…إنها موجات تأتي كبيرة تم تتهاوى لما تصل إلى الشاطئ وتتحول إلى زبد.
تخبرنا كتب التاريخ عن شخصيات طاووسية أرادت أن تفرض وجودها غصبا بمزاجيات تنهل من قواميس الاستعراض مع كثرة اللقاءات والندوات والمؤتمرات حتى الثخمة. هذه الشخصيات غالبا ما تترامى على مجالات بعيدة عن مدركاتها ونطاق اهتماماتها، التي يخال لها وبغطىرستها أنها تمتلك كل الحقائق. والذين يرون في أنفسهم أنهم المثال، و الأرفع والأسمى، في حين أن أول تجربة تظهر أنهم ليسوا سوى فقاعات ترتفع تم ترتفع فتختفي إلى الأبد (وقد كانت لنا في تجربة كورونا والهجوم الالكتروني على بعض مواقع الوزارات والإدارات خير دليل على عدم التمكن وضعف المستوى) وأن كل تلك الندوات واللقاءات ما هي إلا سراب، وحق أريد به باطل. هذه الشخصيات الكارطونية تظهر بين الفينة والأخرى وتطفو كما تطفو قطعة بلاستيكية في بركة ماء متعفن، تغرف من قاموس الكلمات المتداولة معبرة فقط عن الابتذال ونشر العدمية ضمن صفوف مختلف الفئات .
تضخمت الأنا لدى البعض وأبدعت في الأشكال الطاووسية النرجسية حد “الهرطقة”والدخول والخروج في الكلام. إنه بالتأكيد الإفلاس العلمي و السياسي والمجتمعي، حيث أن أمثال هؤلاء يعتبرون هذا طريقا لتحقيق الذات والوصول للمناصب . البهرجة تجعلهم ينالون حظا وافرا من التغطية الإعلامية الرسمية على أنه حدث مشهود، أو ندوة فريدة من نوعها، أغلبها لمحظوظين لقربهم من جهات القرار التي جعلت منهم لسانها ومداحيها، يُدعمون بملايين الدراهم المدفوعة من المال العام لإنتاج رداءة و سخافات تحت مسمى الإبداع و الانفتاح و الإشعاع العالمي، نظرا لغياب آليات واضحة في دولة “الحكامة”، فالهدايا تضلل حتى العقلاء، لكنها حتما لن تنطلي علينا لأننا نعرف خروب بلادنا و نعرف الغرض الحقيقي ورائها لأن لكل أمر ميزان.
التلميع الزائد والبهرجة الزائدة ليس لهما داع، والصباغة على الجدران بالألوان قد تزيلها زخات مطر، ثم تنكشف الحقيقة. والتلميع ما هو إلا صورة مخالفة للواقع. فلماذا نُلمع؟ و ما هي نتيجة الإنسان المُلمّع؟ هل نُلمع من لا يستحق التلميع؟ في زمنِ كثرتْ فيه المحسوبيات والمصالح الشخصية والنفاق الاجتماعي، فلا تستغرب أبدا وجود هذه التلميعات. لست ضد التلميع ، فالذهب يستحق التلميع بين فترة وأخرى أليس كذلك ولكن أن يكون ذهبا وليس “فالصو”. وهناك منهم في الظل ويستحقون التلميع دون معرفتهم. أتساءل ما هو شعور الإنسان الذي يعيش وهم التلميع؟ ما هو شعور الإنسان حين يُلمّع بمقام ليس مقامه ومكانة ليستْ مكانته؟ للتلميع سلبيات كثيرة لا أريد أن أغوص في أعماقها، ومن بينها أنها تتيح الفرصة لمن لا يستحق الظهور، أن يكون وجهاً لامعاً في سماء المجتمع الذي يرفضه حين ينتهي مفعول التلميع ويرمى به إلى مزبلة التاريخ!
نصيحة: اترك أعمالك وأفكارك وأهدافك التي رسمتها تتحدث عنك، وتكون خير سفيرة لك، تميز بعملك وكن رائدا للابتكار وترجم ذلك بالعمل، بدلا من الاعتماد على خلق إنجازات وهمية، ببهرجة إعلامية كاذبة والتي سرعان ما تسقط أقنعتها وتبقى أنت، الخاسر الوحيد.